تملك إسرئيل ترسانة تكنولوجية متقدمة نجحت من خلالها في السيطرة بشكل كامل ودقيق على قطاع غزة، وقد ساعدها في ذلك ضيق مساحة القطاع الساحلي الصغير المكتظ بمليون ونصف المليون نسمة، حيث تستخدم اسرائيل مجموعة من وسائل التجسس والمراقبة الإلكترونية المتقدمة التي تملكها، ومن خلالها تقوم بتفعيل مراقبتها الشاملة للاتصالات السلكية واللاسلكية مثل الهواتف الأرضية والخليوية والبريد الإلكتروني وغيرها، التي تكون تحت سيطرة الطائرات التجسسية التي تكون دائما من دون طيار فوق أجواء غظة كونها مزودة بأجهزة تجسس متقدمة.
وتملك هذه الطائرات القدرة على تصوير المناطق الفلسطينية، وبث صورها بشكل مباشر لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عبر أجهزة رؤية ليلية، وأجهزة استشعار حراري، وأجهزة التقاط موجات هواتف الجوال, حيث عملت هيئة الأركان العامة الإسرائيلية على تأسيس قسم أسمته قسم التنصت لتكثيف عمليات التجسس على شبكة الإنترنت .
وأعدَّ الجيش الإسرائيلي بنية تحتية عسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة تسهل عليه التدخل وقت الحاجة، فقد استغل الجيش الإسرائيلي فترة الهدوء التي سادت في العام 98 و 99 من خلال إقامة أبراج المراقبة وقواعد للجيش حول المستوطنات وعلى الشوارع الرئيسة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب تنظيم تدريبات مكثَّفة للجنود الإسرائيليين للتعاطي مع السيناريوهات التي وضعت.
كما إن الجيش الإسرائيلي رسم خططا سابقة لمراقبة الحدود مع قطاع غزة، باستخدام عربات يتم التحكم فيها عن بعد، ومجهزة بكاميرات تليفزيونية للتصوير الليلي ومسدسات آلية قادرة على رصد وقتل أي متسلل قبل العبور إلى إسرائيل. كما ويشدِّد قادة الجيش الإسرائيلي على أنه "لولا المعلومات الاستخبارية التي توفِّرها الأجهزة الاستخبارية لهم، لما استطاعوا أن يحاربوا قوى المقاومة الفلسطينية.
وتعتمد الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على مصدرين أساسيين لجمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لحربها ضد حركات المقاومة الفلسطينية، وهما "المصادر البشرية"، القائمة على تجنيد العملاء، و"المصادر الإلكترونية"، القائمة على الاستعانة بأحدث ما توصلت إليه التقنيات. وبالإضافة إلى أن هناك أقساماً داخل المؤسسات الاستخبارية الأساسية في الدولة العبرية تُعنى بشكل خاص بتجنيد العملاء، فإن هناك أقساماً تعنى بالتجسس الإلكتروني, من الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية التي تقوم بمثل هذه العمليات ، جهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك"، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وجهاز "الموساد".
ويمكن القول إن جهاز الاستخبارات العامة المعروف بـ"الشاباك" كان له الدور الحاسم في الحرب ضد انتفاضة الأقصى وقوى المقاومة الفلسطينية المختلفة، فجهاز الشاباك هو الذي يتولَّى عن طريق شبكة العملاء التي يحتفظ بها, تزويد المستوى السياسي الإسرائيلي بالمعلومات التي تساعده على اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة, فضلاً عن أن جميع العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي تعتمد بشكل أساسي على المعلومات التي يجمعها الجهاز بفضل عملائه، لا سيما عمليات التصفية والاغتيال التي تطال قادة وكوادر الانتفاضة العسكريين والسياسيين.
أما جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، فهو لم يكن له دور كبير في النشاط الاستخباري في الضفة الغربية وقطاع غزة, لكن ما إن تشكَّلت السلطة الفلسطينية حتى أخذ يساهم بدور كبير في جمع المعلومات الاستخبارية, إذ أصبح عناصره يقومون بعمليات تجنيد واسعة في صفوف الفلسطينيين، لكن يبقى الدور الأكبر الذي يقوم به الجهاز في مواجهة الانتفاضة هو إشرافه على عمليات التجسس الإلكتروني، والتنّصت على مؤسسات ومسؤولي السلطة الفلسطينية.
وأصبح جهاز "أمان" من اكبر وأهم الأجهزة الاستخبارية، وعمل بكل ما أوتي من قوة، لزرع أحدث أجهزة التجسس الرقمية "ديجيتال" في القطاع قبل رحيل الجيش عنه وذلك من أجل وضع الفصائل الفلسطينية تحت الرقابة الإسرائيلية الدائمة، ونقل أي معلومات مباشرة إلى مقر "أمان" في تل أبيب.
ومن المعروف أن عملية زرع الكاميرات تتحمل كل التقلبات الجوية وتعمل ليل نهار تحتاج إلى أشهر، خاصة أن العمل الأساسي فيها هو تركيب هذه الكاميرات بشكل سري وإخفاؤها بطرق يصعب على الفلسطينيين اكتشافها, وأما التغيير الثاني فيتمثل في زرع أجهزة تنصت في المباني الرئيسة مثل مكاتب السلطة والفصائل المختلفة,وهذه ليست مهمة صغيرة بل كبيرة للغاية، حسب إذ تخطط "إسرائيل" للرصد والسيطرة على جميع خطوط الهاتف وأنظمة الاتصال في القطاع بشكل يمكّن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من رصد تحركات واتصالات المقاومين.
ومنذ ثلاثة عقود دشّن جهاز "أمان"، الذي بات يعتبر أكبر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، قسماً متخصصاًَ في مجال التجسس الإلكتروني، أطلق عليه "الوحدة 8200" وقد اعترف الجنرال المتقاعد" أوري ساغيه"، الرئيس السابق لجهاز "أمان" بوجود مثل هذه الوحدة، التي اعتبرها من أهم الوحدات الاستخبارية في الدولة الإسرائيلية.
ومن وظائف هذه الوحدة كما قال الجنرال" أوري ساغيه "هي المساهمة في تقديم رؤية استخبارية متكاملة مع المعلومات التي توفرها المصادر البشرية القائمة على العملاء,
وتعتمد الوحدة على عدّة جوانب من العمل في المجال ألاستخباري وهي: الرصد، والتنصت، والتصوير، والتشويش. من أهمها التنصت والرصد، حيت يعتبر التنصت على أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية من المهام الأساسية لـ"الوحدة 8200"، فالهواتف الأرضية والنقالة، وأجهزة اللاسلكي يتم التنصت عليها بشكل دائم, والذي يساعد الوحدة على أداء مهمتها بشكل تام، هو حقيقة أن "إسرائيل" هي التي أقامت شبكة الاتصالات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي بالتالي لا تحتاج إلى عمليات التقاط للمكالمات، بل إن المقاسم الرئيسة لشبكة الاتصالات الفلسطينية مرتبطة بشكل تلقائي بشبكة الاتصالات الإسرائيلية "بيزيك", إلى جانب ذلك فإن شبكة الهاتف النقال الفلسطيني الوحيدة العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة والمعروفة بـ"جوال"، تعتمد على "إسرائيل" في الكثير من خدماتها، فضلاً عن توقيعها على اتفاق مع شبكة "أورانج" الإسرائيلية للاتصالات، الأمر الذي يجعل "الوحدة 8200"، لا تحتاج إلى كثير من الجهود من أجل رصد المكالمات الهاتفية.
أما بالنسبة إلى أجهزة الاتصالات اللاسلكية الأخرى المستخدمة في الضفة الغربية والقطاع، لاسيما أجهزة "ميريتس"، فهي أجهزة إسرائيلية خالصة، إلى جانب اعتماد آلاف الفلسطينيين على شركات الهواتف النقالة الإسرائيلية، مثل سيلكوم وبيلفون، وغيرها من الشركات.
ومن الفئات التي يتم التنصت عليها قادة وعناصر المقاومة ,قادة السلطة ومسؤولوها, بالإضافة إلى شرائح مختلفة من الشعب فالاستخبارات الإسرائيلية معنية بمعرفة توجهات الرأي العام الفلسطيني.
ودلت تجربة انتفاضة الأقصى على أن "التصوير" هو أحد أهم مركبات التجسس الإلكتروني للدولة العبرية. وتستخدم "وحدة8200"، تقنيات مختلفة في عمليات التصوير التي باتت أمراً ضرورياً في رصد تحركات المقاومة الفلسطينية، إلى جانب مساهمة عمليات التصوير في تحسين أداء قوات الاحتلال في المواجهات مع المقاومة. ويتم ربط هذه الكاميرات بهيئات القيادة في وزارة الدفاع وهيئة أركان الجيش، حيث يطلع قادة أذرع الجيش المسؤولين من قبل الجيش على الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة, وتتم عمليات التصوير بعدة تقنيات، أشهرها تقنيتان بارزتان هما: تركيب كاميرات رقمية كبيرة وعلى قمم الجبال المحيطة بالمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، ويتم نصبها على أبراج خاصة أمام المدن في قطاع غزة، واستخدام الطائرات من دون طيار, ويتم استغلال هذه التقنية بالتعاون بين "وحدة 8200"، وسلاح الجو الإسرائيلي، ويقول الجنرال" دان حلوتس"، نائب رئيس هيئة الأركان وقائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق، في جميع عمليات الاغتيال التي تمت في الضفة الغربية وقطاع غزة فإنه قد تم استخدام هذه الطائرة التي ينتجها مجمع الصناعات العسكرية الإسرائيلية, وتستخدم هذه الطائرة في تسهيل مهمة ألوية المشاة التابعة لجيش الاحتلال قبيل وأثناء عمليات التوغل داخل الضفة الغربية والقطاع. ويتم تشغيلها من قاعدة جوية تقع في محيط مدينة تل أبيب، بمسح المناطق التي ينوي الجيش التوغل فيها، وتزود عناصر "الوحدة 8200" بمعلومات عن تحركات عناصر المقاومة، وعناصر الوحدة يقومون بدورهم بتزويد قادة الجيش بهذه المعلومات أولا بأول, وتستخدم هذه الطائرات في مسح الحدود الجنوبية لقطاع غزة بدعوى مراقبة عمليات تهريب الأسلحة بين مصر والقطاع كما إن هذه الطائرات تستخدم أيضاً في تنفيذ عمليات الاغتيال حيث إنها مزودة بصواريخ خاصة تقوم بإطلاقها على الأشخاص المرشحين للتصفية. وبهذه تصبح "الوحدة 8200 " إلى جانب أنها ذراع استخباري إلكتروني، تقوم بمهمات ميدانية عملية.
وأخيرًا، يأتي دور الموساد؛ وهو دور محدود وغير مباشر في العمل الاستخباري في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث إن ساحة عمله خارج حدود الدولة الإسرائيلية ، لكن يتم توظيف المعلومات الاستخبارية ذات العلاقة بالمنظمات الفلسطينية, والفلسطينيين المتواجدين في الخارج في خدمة الجهد العسكري الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة.