ضجة إعلامية كبرى هذه الأيام في أمريكا تتم تحت يافطة عريضة واحدة: “كوكب أرض بلا جنس بشري”.
بداية هذا الكرنفال الجديد، الذي ليس بأي حال ضرباً من الخيال العلمي، انطلقت مع كتاب الأمريكي ألان وايزمان “العالم من دوننا”. في هذا المؤلف، حاول الكاتب أن يتخيل كيف يمكن أن يكون الكوكب الأزرق إذا ما انقرض منه الستة مليارات نسمة إما بفعل فيروسة طبيعية أو مخبرية قاتلة، أو بتأثير كويكب مثل الذي ضرب الأرض قبل 65 مليون سنة وأدى إلى انقراض الديناصورات.
الكتاب أصبح سريعاً الأكثر مبيعاً وترجم إلى 30 لغة، وتلته برامج تلفزيونية في “ناشنال جيوغرافيك” و”هيستوري تشانيل” تحولت هي الأخرى إلى الأكثر مشاهدة (5 ملايين مشاهد خلال شهر).
لكن، لماذا هذا الهوس الجماهيري بتلك الفكرة الخيالية؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، فلنر كيف يمكن أن تكون الأرض من دون بشر.
أول ما سيحدث هو الهبوط الكبير في مستويات التلوث. فالطائرات والسيارات، والآلات الصناعية والجرارات، ومكيفات الهواء والتدفئة على الوقود، والأسلحة المطلقة للأشعة، كلها ستزول بفعل الصدأ والتآكل، مما سيؤدي إلى توقف تغير المناخ بفعل سخونة الجو. الغابات ستستعيد ما سلبته منها الصروح الاسمنتية في المدن، والأعشاب الخضراء ستستولي على طرقات الاسفلت وجدران الأبنية، والزهور والرياحين ستكون في كل مكان. المحيطات ستتطهر من أدران التلوث، وستعود الأنهار والينابيع إلى طهرانيتها السابقة.
البشر الملوثون للبيئة لن يبقى منهم أثر، سوى تلك البصمات التي ستتركها كبسولات الفضاء “فواياجير” برقائقها الإلكترونية التي تتضمن معلومات بيانية عن الحامض الجيني البشري، والنظام الشمسي، وصوراً لأطفال ومدن، و26 تسجيلاً موسيقياً بينها “القيثارة السحرية” لموزارت. الكبسولات ستكون قادرة على البقاء في الكون لأكثر من مليار نسمة، لكنها لن تكون بالنسبة لأية حضارة فضائية تعثر عليها أكثر من تأريخ لجنس منقرض وحضارة فشلت في البقاء.
نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: لماذا هذا الهوس بفكرة أرض بلا بشر؟
ببساطة لأن البشر قد يصبحون قريباً بلا أرض، أو بالأحرى بلا قشرة الحياة الخضراء الرقيقة التي لا تعلو سوى بضعة أمتار عن سطح هذا الكوكب. القلق على مصير الحياة بات حقيقة واقعة وملموسة، ليس فقط بفضل آلاف العلماء الذين يؤكدون وجود تغيّر في المناخ بسبب التلوث الاصطناعي، بل أيضاً بفعل الأعاصير والتسونومويات والزلازل التي بلغت في السنوات الأخيرة مستويات عنف غير مسبوقة منذ آلاف السنين.
البشر خائفون، ولذلك يتخيّلون أو يقبلون على الأفكار الخيالية. وهذا تطور إيجابي. لكن، هل هو كاف لوقف احتمال انقلاب الخيال إلى واقع؟
اسألوا الديناصورات! . " سعد محيو / دار الخليج 10/3/2008 "