يختارالبعض من الكتاب الخيال ليسافروا في الزمن، ولكي يعبروا القرون ، والعصور ، والثقافات بمزيد من الحرية، وتستدعى أحياناً الغوص في تفاصيل تلك الثقافات ،ولكن ، هل مسيرة الكتابة بعد الرحلات تعتمد الحدس ، والضرب في الرمال ؟، نعم ، هي كذلك إذا ما تحدثت عن الحياة اليومية والتفاصيل التي لم تؤرخ ، ولكنها بالتأكيد في مجال الإستلهام ، زاد لا غنى عنه لكل كاتب أو روائي أو شاعر.
إن المراهنةعلى القوى التخيلية التي يواجهها الكتاب أثناء هذه الرحلات متعة لا سبيل إلى الوصول إلى قمتها ، إلا بالإبحار في حقائق أحدى المجتمعات أو الزمن في تحركه و تحوله ،ويبدو أن هذه الرحلات الخيالية ضرورة ملازمه لمن يبحث عن الإبداع في عصرنا الألفي ،المفتقد لليقين ،والمليء بالقلق والنفاق والحسد والهزيمة ، المبتلى بالسخرية ،الممتلئ بكل ما هو مخيف وغير معروف .
وتؤدي هذه الرحلات الخيالية إلى عمل القصص الخيالية ، وحكايات الجنيات ، والحكايات الرمزية ذات المغزى الأخلاقي، التي تشرح لنا التقنية الإجتماعية ، وتكشف لنا أسرار السلطة .
بالإضافة إلى ذلك فغزو عالم الخيال يمكن له أن يخدم أيضا كاستعارة لعمل الكتاب ، والهيكل الخيالي هام،لأنه يسمح بتحدي الحاضر بينما نلقي عليه الضوء بواسطة ماض أو مستقبل حديث ،قريب أو بعيد.
هذه المقدمة قد تساعد في فهم أن التغيير الذي نقصده في كتاباتنا ، قد لا يكون في متناول اليد عند التمحيص في الواقع المعاش، وعند الإطلاع على الحد الذي وصلته حال الأمة ، على الصعد الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، ولكنه أيضاً دلالة على أن التغيير الجذري، يتضمن أولاً الإيمان بالقدرة على التغيير، والإيمان شعور داخلي يعززه العمل شيئاً ، فشيئاً.
إن التغيير هنا لن يقف عند حد عملية الخلخلة لبنية الأفكارالمتداعية والمتهالكة، التي نظر الكثيرون لها عقوداً طويلة، بل سيتجاوزها إلى التغيير الشامل للأساليب النضالية التقليدية ، لتحل محلها الأساليب الابداعية المؤمنة بالتغيير، ، وستنتهي فلسفة النظرة المتحكمة في الجماهير واستخدامها عند الحاجة ،إلى الإيمان المطلق بالجماهير والشعوب، وبقدرتها على تقديم الجديد.
والتغيير الجذري الذي نعنيه هنا ، ليس موقفاً فورياً متعجلاً ، بل صراع طويل وصعب يمثل طرفه الأول : الجماهير المظلومة والمستغلة والكادحة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير على امتداد العالم ، وطرفه الآخر مستغلي الجماهير ، والممعنين في تجبرهم بقضايا الأمة وحلمها في الوحدة والحرية والحياة الفضلى.
إن الفرد الأكثر فاعلية هو الأكثر علماً وثقافة والأقدر حركة والاسرع استجابة والاسبق فعلاً والأجرأ ممارسة والأشجع نفساً والأقوم خلقاً.والذي تجاوز الحلول المطروحة لمشكلات الانسان، وصاغ نفسه على أساس ثقافة جديدة مؤمنة بقدرة الإنسان على الإبداع ، واكتساب روح الفكر الجديد المبشر بحضارة جديدة لها قواعدها ومفاهيمها، ليجد في نفسه نموذج هذه الحضارة الجديدة ماثلاً متجسداً يستهوي أفئدة الظامئين إلى حياة جديدة في عالم جديد تسوده الحرية والعدالة والتقدم .