العالم هذه الأيام يتقلب على صفيح السياسة الأمريكية الساخنة ويدور بالكامل في فلكها، ويخضع بالكامل لرغباتها السادية في قيادةالعالم وفق سياستها الاقتصادية والعسكرية والأمنية ، ولا تكاد تمر ساعة دون أن توسم بالخاتم الأمريكي ، وكأن "نيتشة" عندما تحدث عن الفضيلة الوحيدة ،وهي القوة، كان يقصد هذا النموذج المتفرد في السيطرة والنفوذ ، الذي لا يعطي أي مجال للتعامل معه ، إلا بالخضوع التام له في تغوله في زمن الانقسامات والتجزئة في المعسكرات المقابلة ،بما فيها الدول العربية ، ولهذا لا بد من إعادة شحذ الهمم واعادة الاعتبار لروح الحرية حتى تتمكن الامه من الوقوف على قدميها من جديد والتصدي لسياسة الهيمنة .
إن تسخير الهيئات الدولية لخدمة سياسات أصحاب القوة ، فيه إضرار للمؤسسات الدولية وانتفاءاً لدورها وقلباً لمفاهيمها وإنهاءاً لمبدأ الحياد المتفق عليه في حل النزاعات الدولية، وإذا كانت الحرب العالمية الثانية قد أفرزت منتصرين ومهزومين ، وحق للمنتصر الأفضلية التصويتية ، فلا بد من ضوابط تحكم هذه القوة حتى لا تصبح الهيئات ذاتها سيفاً مسلطاًعلى أعضائها بما لا يحقق العدالة في المؤسسات والهيئات الدولية، وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي كما تقدم نفسها عملياً القوة الوحيدة , فقد أصبحت هذه القوة نقيضا لكل المفاهيم السائدة -وإن كانت مزورة في الديمقراطية الغربية - ، من حرية وديمقراطية وتأكيداً لحقوق الإنسان , على الرغم أنها في أفضل أحوالها لا تلبي حاجة الناس للانعتاق من نير العبودية الجديدة عبرها , فكيف بها في ظل الخروج حتى عن مستوياتها الدنيا .
لقد حصدت شعوب العالم في غير مكان نتائج سياسة القوة وتبدلت لأكثر من مرة صور استغلال القوة باعتبارها فضيلة الولايات المتحدة الأمريكية الوحيدة، وإذا كانت القوة فضيلة ، واستخدام المؤسسات الدولية ومجلس الآمن خاصة لتمرير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية قد أخذت صورا شتى , فهي حيناً تجر المؤسسة الدولية إلى معسكرها بمجموعه من التسويات مع الدول الأعضاء منعاً لأزمة عالمية حسب ادعائها , وأحياناً تستخدم حق النقض ـالفيتوـ منعاً لقرار يصب في صالح العدالة، وليس أدل على ذلك عشرات مشاريع القرارات المعطلة حول القضية الفلسطينية ، وذلك خدمة للكيان الصهيوني، وأحياناً أخرى تحجم عن تقديم أي قرار وتتجاوز كل ذلك إلى فعل مباشر على الأرض لقلب الأنظمة وتغيير اتجاهاتها السياسية كي تتوافق وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في السيطرة على النفط والثروات وفتح أسواق جديدة لمنتجاتها ، ويقف العراق على رأس الأمثلة الحية لهذا النموذج المتفرد في استخدام القوة بديلاً للشرعية، كما كان للوطن العربي نصيب الأسد من هذه السياسة في أكثر من مكان.
وتظهر تباينات التعامل مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس المنتصرين فيها الخلل الفاضح في تركيبة هذه المؤسسة الدولية التي تحتاج الى تقييم واعادة بناء على أسس جديدة, ونرجو الله ان يكون انضمام الجماهيرية العظمى الى عضوية مجاس الامن عنواناً للتغيير تقوده الجماهيرية لتحقيق العدالة شكلاً ومضموناً في المؤسسة الدولية.
ولا شك أن الأمم المتحدة قد عانت الامرين من تغول الولايات المتحدة على قراراتها ومجلس أمنها باعتبارها أقوى الأقوياء وبات أمر تجاوز الصين أو روسيا وفرنسا , أمراً اعتيادياً في السياسة الأمريكية ، ناهيك بعدم الاهتمام مطلقاً بالجمعية العامة وقراراتها غير الملزمة ،بل إن إعلام الولايات المتحدة الأمريكية تمادى كثيراً في وصف الدولة الفرنسية واعتدى على سيادتها الوطنية عندما تعارضت سياستها مع سياسة الولايات المتحدة في إفريقيا وكذلك العراق , وهذا ما بات يستلزم إعادة النظر في أسس وآليات عمل هذه المؤسسة كي تعود فعلا ممثلة لدول العالم ، لأن ازدواجية المعايير والقيم باتت واضحة للعيان ولم تعد من حاجة لتوضيحا أكثر من عشرات الامثلة الماثلة للعيان والتي تظهر أكثر من ظهور الشمس في شهر تموز .
ان منظومة القيم اصطدمت بالحفاظ على منظومة المصالح المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية فنحيت وغابت المبادىْ والأخلاق لصالح المصالح , وليس نموذج العدوان الغاشم على العراق إلا دليلا من دلائل كثيرة على تجاوزات الولايات المتحدة الأمريكية على حقوق الإنسان وحريته ولا نعتقد أن الصواريخ الأمريكية على بيوت الأبرياء في العراق كانت تميز بين مقاتل أو مدافع أو عاجز وطفل وامرأة يقبعان في بيوتهم.وكانت آخر الصور بعد الاحتلال تلك المناظر المفزعة للوحشية في التعامل مع الموتى والأسرى .
وقد أثار انتباهي والملايين من أبناء شعبنا العربي وشعوب العالم ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية عندما شنت إسرائيل هجومها الوحشي على لبنان الشقيق ، وكيف أعطيت أسرائيل كل الوقت لتنفيذ إعتدائها دون أن تسح الولايات المتحدة الأمريكية بأي تدخل من المؤسسة الدولية إلى حين تنفيذ أهداف العدوان كاملة، كدليل جديد على الهمجية الموصوفة بها سياسة البيت الأبيض في التعامل مع المباديْ.
إن شرعية السياسة الامريكية لم تستمد إلا من قوتها الهائلة والتي مثلت لعقود أساس سمعة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية والسياسية , وهذا ما يدعو العالم الحر إلى الوقوف بحزم لردع هذه العنجهية ووقف الانحدار في التلاعب بالقيم والأخلاق , وتسخير وكالات الإعلام من فضائيات وصحف لتسوق الأكاذيب على الشعوب وتسوق لهم مفهوم الدولة الحلم التي تتحقق عبرها الحرية والديمقراطية , فالحلم سيصبح كابوساً عندما تتعرف الشعوب أكثر على طبيعة هذا المجتمع الأمريكي الظالم والكاذب . ونحن نقول لهم جميعاً فليعودوا مرة أخرى لقراءة الأحداث من جديد , وليعودوا إلى الوثائق ليتعرفوا إلى العدالة أين تكمن وإلى الفكر الديمقراطي الصحيح , في الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان وأسس الديمقراطية في الكتاب الأخضر للقائد معمر ألقذافيلتكون عنوانا ودليلاً للشعوب إلى طريقها في معرفة حقوقها والنضال من أجلها .