كثيرا ما تنتابنا مشاعر الخوف والهلع عندما ندخل في الأماكن المغلقة والمظلمة ، وخصوصا في الكهوف العميقة والبيوت المهجورة والمقابر ، فيرتفع في أجسامنا مستوى هرمون الأدرينالين ، وتتسارع نبضات قلوبنا وتنفسنا ونتعرق وقد تظهر أمامنا صورا وهمية لأماكن ولأشخاص ولأحداث مرعبة وعندها ، نسارع بالفرار من هذه الأماكن، ونبدأ لاحقا بنسج القصص حول ما شاهدناه ، ونعلل ذلك بالأرواح الهائمة والأشباح الشريرة.فما هي حقيقة هذه الظاهرة الفيزيائية التي تنتابنا.
الأبحاث العلمية في هذا المجال
استرعت هذه الظاهرة الغريبة اهتمام الكثير من علماء الفيزياء ، وكان من بينهم الباحث ( فيك تاندي) عندما تعرض لهذه الظاهرة وهو في مختبره ، يقول تاندي (( بينما كنت اعمل ليلا في معملي شعرت وكان شبحا يدنو مني من الخلف ، ارتعدت ، تصبب عرقي ، نظرت خلفي بفزع ، لم أجد شيئا ، تفقدت المكان ، كان خاليا تماما من أي شيء غريب ، ثم تلاشت أحاسيس الخوف من عندي )).
كانت هذه الحادثة نقطة تحول في حياة تاندي ، وكعادة كل مهتم بالعلم ، كان لا بد من العثور على تفسير منطقي لما حدث.
لفت انتباه تاندي أن مشاعر الخوف التي انتابته والتي تكررت لحسن الحظ أكثر من مرة في تلك الليلة ، أن المصدر المجهول الذي أثاره بدأ من حاسة السمع لديه ، ولم يكن لهذا المصدر أثر على حاسة الإبصار لديه أو حاسة اللمس ، من هنا وضع تاندي نظريته الأولية حول الموضوع ورسم خطة العمل العلمية التي ينبغي أجراؤها لتفسير هذه الظاهرة الغريبة.
توجه أولا إلى بعض الأماكن المخيفة والتي تتردد حولها الكثير من القصص والخرافات كالكهوف والقصور المهجورة وبعض المقابر ، أخذ بقياس ترددات الأصوات في تلك الأماكن مستعينا بمجموعة متطورة من أجهزة القياس الفيزيائية المتطورة ، ثم توجه إلى سراديب أدنبرة الذائعة الصيت والتي بنيت في عام 1780 ونسجت حولها العشرات من القصص المخيفة ، وفي هذه السراديب نصب تاندي أجهزة قياسه المتطورة في الأماكن الأكثر رعبا ، وبدا بتسجيل الأصوات وتردداتها وأطوال الموجات الصوتية وتحت الصوتية الموجودة في هذه المناطق.
بينت له تجاربه وقياساته الفيزيائية وجود مستوى غير عادي للموجات تحت الصوتية في هذه الأماكن ومن المعروف أن مثل هذه الموجات يقل تذبذبها عن 20 هيرتز وتتسم باتساع طول موجاتها مقارنة بموجات الأصوات المسموعة ، هذه الأمواج تحت الصوتية تعجز الأذن البشرية عن سمعها بشكل مباشر ولكنها تثير الجهاز العصبي الداخلي لدى الإنسان بشكل غامض ، وبسبب أطوالها الموجية المتسعة ، يكون متعذرا على الجهاز السمعي عند الإنسان تقدير مصدرها والمسافة النابعة منها.
إن ما خلص إليه تاندي ، هو أن تكون الموجات تحت الصوتية في الأماكن المغلقة يدفع الأذن البشرية إلى عدم تمييز مثل هذه الأمواج بشكل دقيق مما يؤدي إلى إثارة الجهاز العصبي عند الإنسان وتحفيز أجهزة الدفاع في الجسم وتدفق هرمون الأدرينالين ، ومما يفاقم الوضع سوءا ، ضعف الإضاءة ، والرطوبة وانخفاض درجة الحرارة في المكان وهذه عوامل تعمل على تضخيم وتكثيف الموجات تحت الصوتية.
إن ظاهرة الموجات تحت الصوتية والتعامل معها يتطلب توفر معدات فيزيائية معقدة ومكلفة، بالإضافة إلى أن الإنسان في حياته اليومية غير معتاد على التعامل مع مثل هذه الموجات ، ولكن بعض الحيوانات مهيأة بشكل طبيعي لاستقبال مثل هذه الترددات كالكلاب والفيلة والحيتان والدلافين وغيرها من الكائنات الحية الأخرى.
إن فهمنا لمثل هذا التفسير العلمي لمثل هذه الظاهرة الفيزيائية الطبيعية يعتبر أمرا هاما لإزاحة عالم الأساطير جانبا والتوقف عن اللجوء إلى عالم الميتافيزيقيا وما وراء الطبيعة من أجل تفسير بعض الظواهر الكونية التي يعجز العلم مؤقتا عن إيجاد توضيحات لها.