هل بدأ التمرد الروسي على الإمبراطورية الامريكية يُـؤتي ثماره؟
يبدو أن الأمر كذلك أو هذا على الأقل ما يوحي به عرض وزيرا الدفاع والخارجية الأمريكيان، غيتس ورايس، للرئيس الروسي بوتين خلال لقائهما به في موسكو الأسبوع الماضي، والقاضي بتأجيل خُـطة نشر قاعدة إعتراض الصواريخ في بولندا ومحطة الرادار في تشيكيا، والتي تعتبرها موسكو نسفاً لرادعها النووي.
صحيح أن هذا العرض، كما لاحظ جوناثان إيال مدير مركز دراسات الأمن الدولي البريطاني، "يعتبر تنازلاً تكتيكياً يُـمكن لواشنطن التراجع عنه بكبسة زِر، فيما التنازلات الروسية المطلوبة في المقابل، وهي خنق إيران والإعتراف بإستقلال كوسوفو، غير قابلة للتراجع"، إلا أن مجرد قبول الإدارة الأمريكية بمبدإ المساومات مع حكومة بوتين، شكَل أوَل تحوّل من نوعه في السياسة الأمريكية إزاء موسكو منذ إنهيار جدار برلين عام 1989.
منذ ذلك الحدث، الذي تلاه مباشرة إنهيار الإمبراطورية السوفييتية، إعتادت واشنطن أن تفرض شروطها واعتادت موسكو أن تقبل هذه الشروط من دون تحفظ.
المنتصر في الحرب الباردة كان يحدّد جدول الأعمال، فيتعيّـن على المهزوم الرّقص على إيقاعه (الجدول)، وهذا تحقق على الوجه الأمثل خلال عهدي الرئيسين غورباتشوف ويلتسين وبداية عهد بوتين.
لكن، في النصف الثاني من ولاية بوتين (بدءاً من عام 2003) طرأت تحوّلات مهمّة في هذا النهج الروسي: من الإستسلام إلى التنافس، ومن التعاون المطلق إلى التنسيق المشروط، وتغذى هذا التحوّل آنذاك من عوامل عدة تشمل إنتعاش القومية الروسية مجدداً ونجاح بوتين في إعادة لملمة شتات الدولة الفدرالية الروسية وتحسَن أداء الاقتصاد الروسي بعد إنهيار إستمر أكثر من عقد، لكن الأهم في كل ذلك، كان نجاح بوتين في لعب ورقة النفط، وفي رمْـي قفّـازه في وجه الولايات المتحدة.
كيف حدث ذلك؟
بوتين مع نظيره الإيراني أحمدي نجاد في طهران يوم 16 أكتوبر 2007
الرؤوس الساخنة
العودة إلى وقائع الزيارة التاريخية لبوتين إلى إيران، والتي تضمّـنت المشاركة في قمة دول بحر قزوين، قد تساعد في الإجابة على بعض جوانب هذا السؤال، فيما ستتكفَّـل التطورات التاريخية، التي سنوردها في الإجابة على بقية الجوانب.
أعلن بوتين في طهران: "بعض الرؤوس الساخنة في الغرب لا تزال تسيطر عليها أفكار عن كيفية الوصول إلى احتياطات روسيا النفطية، بما في ذلك منطقة سيبيريا الشرقية، لكننا لسنا العراق، ونتملك القوة الكافية للدفاع عن مصالحنا".
كما أعلن أيضاً: "يجب أن لا نحاول الاختباء وراء أصابعنا: الغزو الأمريكي للعراق استهدف في الدرجة الاولى السيطرة على احتياطاته النفطية".
لماذا قرر الرئيس الروسي كشف النِّـقاب على هذا النحو عن البُـعد النفطي في الحرب الباردة الجديدة، وإن الصغيرة والمحدودة، بين موسكو وواشنطن؟ وإلى أين يمكن أن تصل مثل هذه الحرب؟ قصة الماضي القريب قد تكون مفيدة هنا.